السبت، 19 فبراير 2011

خواطر لم تكتمل


جلس الفتى في كرسيه.. يقرأ "موسم الهجرة إلى الشمال" – للطيب صالح – تلك الرواية التي طالما تمني الإستمتاع بقراءتها.. بهرته شخصية "مصطفى سعيد" كما أسرت بطل الرواية وإن أنكر هو ذلك.. (أحيانا تخطر لي فجأة تلك الفكرةالمزعجة أن مصطفى سعيد لم يحدث إطلاقا، وأنه فعلا أكذوبة، أو طيف أو حلم، أو كابوس، ألم بأهل القرية تلك ذات ليلة داكنة خانقة، ولما فتحوا أعينهم مع ضوء الشمس لم يروه.)...

 من آن لآخر يغمض الفتى عينيه وهو يقرأ.. ويتمايل برأسه.. يمينا ويسارا.. مع إيقاع الموسيقى المنبعث من السماعات في أذنيه على أنغام.. Latin Groove .. ذلك الألبوم الذي يستهويه كثيرا.. أغنيات تتراقص على نغمات موسيقى الصالصا والهيب هوب اللاتينية.. تستعصي عليه كلمات الأغاني أن يفهمها.. ولكنه يحسها.. يشعر بها تسري في جسده.. تهتز مع نغماتها روحه  ويدور عقله في دوائر كونية.. تأخذه من الواقع وترمي به في فضاءات خاوية.. إلا أن خواءها كثيف ثقيل.. لا يريحه.. ولكنه يحبه.. إنه ذلك التناقض العجيب الذي يجذبه ولا يستوعبه.. ولكنه مع ذلك يرتضيه ويهرب إليه كثيرا.. يهرب إلى مالا يفهمه ولا يريحه.. ولكنه يحسه ويشعر بخصوصية وجوده فيه.. لطالما فضل النزوع إلى التوحد مع نفسه هربا من شعوره بالوحده بين الآخرين.. ليس إنطوائيا.. ولا رافضا للآخر.. فقط يبحث عن تلك اللحظات التي يخلو فيها لنفسه ويستمتع فيها بذلك الشعور الذي ألفه منذ كان جنينا متقوقعا في ظلمات العالم الأول..

التناقض هو سمة حياته وإنطباعاته.. تختلط عنده الأشياء حتى تصيره بلا هوية.. وتحيله غريبا في أرض بلا عنوان.. ويرى هو في كل ذلك ما يميزه عن كل ما حوله.. يحبه من يلقاه.. يأتنس بصحبته ذووه.. يغلبه عقله كثيرا.. ويستدرجه إلى تحليل الأفكار والرؤى.. فتؤرقه المعاني.. ويرهقه السهاد..

يرى الآمال بعيدة.. ولكنه يشعر بها بين يديه.. يتمسك بها.. ويحارب كي لا يفلتها.. عنيد.. بسيط.. قوي.. عاطفي.. تغلبه دموعه كثيرا.. ولكنه رابط الجأش عند الشدائد.. رجل يتحمل المسؤلية.. وطفل يختبيء في صدر إمرأة.. لتغرقه بحبها وحنانها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق